الأربعاء، 27 مايو 2015

أهمية الوسط السياسي في كيان الأمة





عرّف حزبُ التحرير الوسَطَ السّياسيّ بأنه:
" وسطُ الرجال الذين يتتبّعون الأخبار السياسيّة والأعمال السياسيّة والأحداث
 السياسيّة ليُعطوا رأيهم فيها ويرعون شؤون الناس حسب هذه الآراء،
 أي هو وسط السياسيين سواء أكانوا حكاماً أم كانوا غيرَ حكام..."

وهذا التعريف لمصطلح "الوسط السياسيّ" مبنيّ على الوعي السليم على
مفهوم السياسة بأنها: الرعاية، ومعلوم أن مَن يسوسون الناس سواءٌ
أكانت سياسة عملية عن طريق الحكم أو سياسة فكرية من قبلَ مَن هم ليسوا
 في مراكز الحكم، إنما يسوسون بحسب أفكارهم التي يحملونها ويعتقدونها،
 فتنعكس تلك الآراء والأفكار على واقع تعاطيهم مع الأحداث والقضايا محليّة
 أو خارجيّة، وتكون تلك القناعات التي يحملونها هي " زاوية النظر "
 عندهم لكلّ أمر وقضيّة، فعلى هذا الأساس يتصرف الرأسماليون
 والاشتراكيون، كما كان يتصرّف على هذا الأساس أيضاً الحكام
والأوساط السياسية..
فكما أنّ دساتير الأنظمة وقوانينها في عالمنا اليوم تقوم على فكرة فصل
الدّين عن الحياة، فكذلك تكون زاوية النظر لمجمل القضايا وشؤون الناس
عند الحاكم وعند مَن يوصفون بأنهم وسطٌ سياسيّ.
وقد غلَبَ إطلاقُ وصف الوسط السياسيّ اليوم على جماعات وأحزاب
 " المعارضة " في الكيانات القائمة في الأغلب الأعم، وبحسب قوانين 
وأنظمة تلك الدول فإنّ أحزاب المعارضة، وبالتالي الوسطَ السياسيّ
تشملهم جميعاً مظلة " دستور الدولة " وقوانينها وتشريعاتها العامة،
فيمارسون سياساتهم وفقها مع هامش – قد يضيق وقد يتسع – حسبَ
الدولة ورؤيتها لموضوع الحريات، والمدى الذي تسمح فيه للأحزاب
 والجماعات بأن تطرح مشاريعها أو تنتقد السلطة القائمة أو تعارضها
 في زاوية هنا أو تشريع هناك، غير أنهم جميعاً ينتظمون وفق القانون
 العام لأنهم يحملون ذات المبدأ ويعتنقون ذات الفكرة وهي فصل الدين
 عن الحياة، سواءٌ صرّحوا بها بوضوح أو تركوها غامضةً في بعض
 جوانبها.
لكنهم لا يرضون بحال من الأحوال أن يُضرب هذا الأساس ولا أن يتزعزع
 سواء من قبَل الذين هم في دفة الحكم أو من قبل الوسط السياسيّ عموماً...
وهناك حقيقة شاخصة اليوم وهي أنّ الحالة السياسية في بلاد المسلمين وصلت
من الانحطاط ما لم تصله من قبل، سواء لناحية الأنظمة وعمالتهم للشرق
 والغرب، أو للوسط السياسيّ من جماعات وأحزاب ومفكرين – إلا مَن
رحم ربي – الذين باتوا مجرّد أبواق للأنظمة وصمامات أمان لها من السقوط،
 فبات عمل هذا الوسط السياسيّ مقتصراً على حماية الأنظمة، مهما تحركوا
 في هامش المعارضة لقوانين أو تشريعات، أو منابذة مسئول هنا أو هناك،
 أو حتى الرئيس في بعض البلاد، لكنهم لا يخرجون عن الإطار العام
 الذي ينضبط فيه إيقاعهم مع إيقاع النظام ورموزه في القضايا المفصلية للكيان.
قد يقول قائلُ أنّ روسيا، ومن قبلها الاتحاد السوفييتي كان على هذه الشاكلة،
 فلا معارضة فيه ولا أصوات تغرّد خرج سرب النظام !!
 وهذا صحيح، وحتى نفهم ذاك الواقع وجب أن نفهم المبدأ الذي قام على
 أساسه ذاك الكيان، ومن ثمّ نحكم بوجود الانسجام من عدمه عند من هم
في دفة الحكم وبين باقي الناس، فإن الفكر الذي ساد الاتحاد السوفييتي،
 وتسير – إلى حد ما – عليه روسيا اليوم هو: الفكر الجماعي وليس الفردي،
وفكر الاشتراكية، وهو فكر مانع لوجود معارضة أو وسط سياسيّ يتكلم بغير
 مفردات النظام القائم، وهذا ما أعنيه بالقول أنّ الفكر أو المبدأ والمفاهيم هي
 التي تحدّد سياسة النظام للمجتمع والدولة وتحدّد الآلية التي يتعاطى فيها
 مجموع الوسط السياسي بشقّيه مع الأحداث والقضايا.
وهذا على خلاف المجتمع الرأسمالي الذي يسمح بتلك المعارضة ليس لأنه
 يريد أن يسمح بها وفق رؤية الحاكم، بل لأن المبدأ يسمح بها وفق " ضوابط
الفكر العام للنظام " الذي يحدد كلّ ما يتعلق بالسياسة وانضباط الفرد والمجتمع
 والدولة بحسبه.
فإن استدعينا من التاريخ نشأة أحزاب  اليمين واليسار والوسط ، وجدنا أن
 مُحدّداتها كلّها آتية من " مكان جلوس " تلك الفئات بجانب الحاكم: على
 يمينه أو على يساره، واليمين الذي كان مؤيداً للحاكم وسياساته، واليسار
 الذي أيّد الحاكم في جلّ سياسته مع فارق المطالبة بشيء من الحريات
 أو الإصلاح هنا أو هناك، ثمّ حزب الوسط الذي جمع بين البينين فأخذ
من اليمين وأخذ من اليسار... كما في الموروث السياسي الفرنسي وبرلمانهم.
لكن الجامع لهم كلّهم: أن السقف العام للنظام يحتويهم.

الكارثة هي في الحالة السياسية في بلاد المسلمين، فكما قلت أنها قائمة
على نظام عميل، وعلى أوساط سياسية خائبة تابعة لا رأي لها ولا إرادة،
ومنسلخة – كما النظام – عن فكر الأمة وحضارتها، فلا هي قادرة على
 تطبيق نظام فصل الدين عن الحياة لأنه ليس نظامها ولا يصلح لها من
 الأساس، ولا هي متناغمة مع الأمة الإسلامية وقضاياها...
في الأوضاع الصحيّة لأي نظام، فإن الوسط السياسيّ الفاعل بالفكر والوعي
 قادرٌ على ضبط النظام والحاكم إن خالف وعي الناس ومفاهيمهم، وقادر
 على عزله إن أصرّ على أن يطبق على الناس ما لا يُصلح أمور دينهم
 ودنياهم، غير أن الحاصل هو على خلاف الأصل، لأن الذين عملوا على
هدم دولة الإسلام أدركوا أهمية الوسط السياسيّ في كيان المسلمين، فهدموه
وحرصوا على أن لا يعود، كما حرصوا على ملء ذلك الفراغ بوسط
سياسيّ مدجّن و " مُعدّل ورائياً " ليضمنوا انسجامه مع الحاكم على
حساب الناس ورعاية مصالحهم وشؤون دينهم ودنياهم، فكما يعمل الغرب
على تطويع الأنظمة فإنه يعمل كذلك على تطويع الوسط السياسيّ والمفكرين
 والكُتّاب وكلّ  صاحب رأي وحكمة ووعي، لأنهم يدركون أن مكمن الخطر
 هو: الوعي،  وأن الجهل الذي يرعونه ويرعون دُعاته هو الضامن لوجودهم
 والمعين لهم على سلب إرادة الناس وتزييف وعيهم وتكريس مفاهيم التبعية
 والانقياد للسيّد المطاع الذي يقف خلف السيّد " الدمية " وهو الحاكم ونظامه.

إن التحضير والبناء لــ  " وسط سياسيّ " ذي فكر ووعي على دين الله
سبحانه، يتعاطى مع السياسة وكلّ القضايا والمجريات حسب أحكام شرع
 الله سبحانه هو أهمّ وأعظم الأعمال التي يسعى إليها مريدو التغيير تجهيزاً
 لدولة الإسلام، دولة الخلافة الراشدة الثانية بإذن الله.
وما ذلك على الله بعزيز
والحمد لله رب العالمين.